الأحد، 8 أبريل 2012

فى عصر الملفات المفتوحة ... بقلم : فهمى هويدى

English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified


لا نعرف على وجه الدقة كيف ستنتهى مسألة حصول والدة حازم أبوإسماعيل على الجنسية الأمريكية الأمر الذى قد يخرجه من سباق الانتخابات الرئاسية، لكن الذى أعرفه أن مصر بعد الثورة دخلت عصر الملفات المفتوحة، والحريات التى لا سقف لها. أعنى أنه لم يعد بمقدور أى أحد مهما علا شأنه أو بلغت سطوته أن يتحصن بوظيفته أو قوته ليكون فوق النقد والتحرى والتجريح أحيانا، كما يحدث فى أى مجتمع مصرى يعترف بحق المجتمع فى أن يعرف كل شىء عن الذى يؤدون أدوارا فى المجال العام. وإذا كان فقهاء المسلمين قد ابتكروا «علم الرجال» الذى يقوم على فكرة «الجرح والتعديل» لتحديد وزن كل واحد من رواة الأحاديث النبوية، للاستيثاق من مكانته وأمانته بما يمكنهم من تحديد مدى قوة الحديث المروى أو ضعفه، فإن ممارسات المجتمعات الديمقراطية أخضعت كل المشتغلين بالعمل العام لمعايير الجرح والتعديل أيضا. صحيح أنها اختلفت من مجتمع إلى آخر تبعا لاختلاف القيم السائدة، لكن الفكرة الأساسية ظلت واحدة، وهى أن ملف الشخصية العامة يجب أن يكون مفتوحا أمام الجميع.


ليست بعيدة عن أذهاننا ما نشرته جريدة الدستور فى عام 2007 عن مضمون تقرير طبى تحدث عن الحالة الصحية للرئيس السابق، وهو ما تحول إلى قضية انتهت بالحكم على زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى بالسجن ستة أشهر، خففت بعد الطعن إلى ثلاثة أشهر، وانتهت بـ«العفو» عنه من قبل الرئيس المذكور، وكانت العملية كلها بمثابة تحذير «وشدَّة أذن» أريد بها تنبيه القاصى والدانى بأن «المقامات العَلِيَّة» ليست ككل الناس، وأخبارها لا ينبغى أن تلوكها ألسنة العامة، ولم يكن الأمر مقصورا على الفرعون وأهل بيته فحسب، ولكن الحصانة شملت الكهنة المحيطين به، الأمر الذى أسدل ستارا كثيفا من الصمت حول كل عمليات اغتصاب البلد وتجريفه، وفى ظل تلك الأجواء تمت أكبر صفقات النهب، سواء فى بيع القطاع العام وتوزيع الوكالات التجارية الكبرى على المحاسيب والأقارب أو فى إهدار الثروة العقارية للبلد، كما وقعت الجرائم الكبرى التى جرى التلاعب فيها واحتواؤها، من حوادث احتراق قطار الصعيد وقصر ثقافة بنى سويف إلى كارثة عبارة الموت التى تواطأت أجهزة السلطة فى تهريب صاحبها وتحويل جريمة قتل أكثر من ألف مواطن إلى جنحة، وصولا إلى تورط نفر من أبناء النظام المدللين فى قتل المطربة اللبنانية فى دبى.

اختلف الأمر الآن، واستعاد المجتمع حقه فى أن يطلع على ملفات كل رجال العمل العام. (والنساء بطبيعة الحال). حيث لم يعد الأمر يطلب بذل أى جهد غير عادى، لأن المعلومات باتت فى متناول الجميع. إذ من خلال الإنترنت أو شاشات التليفزيون والصحف السيارة أصبح بمقدور كل ذى عينين أن يمارس حقه فى أن يعرف. من تفصيلات قصة أنف البلكيمى إلى بيانات جواز السفر الأمريكى الخاص بأم المرشح حازم أبوإسماعيل وشائعة تهرب السيد عمرو موسى من التجنيد قبل خمسين عاما (التى كذبت لاحقا) مرورا بقصة التجديد بعد سن الستين لزوجة رئيس أركان القوات المسلحة، وحكاية مليارات الصناديق الخاصة التى لا يعرف أحد أين ولا كيف تنفق، وقصة سيارة رئيس مجلس الشعب الـ(BMW) التى احتج البعض على شرائها له، ثم تبين أنها قديمة وكانت مخصصة لرئيس المجلس السابق.

المناخ الجديد لم يتح معلومات وخلفيات الشخصيات العامة لكل أحد فحسب، ولكنه أيضا أدى إلى تعرية كثيرين ممن ظهروا على المسرح السياسى بعد الثورة، فعرفنا الذين انتفعوا أو انتفخوا، وعرفنا الذين سال لعابهم أمام الغواية فتنافسوا على مصادر التمويل الأجنبى. تماما كما عرفنا الثوار الحقيقيين الذين ظلوا قابضين على الجمر، وحريصين على أن يدفعوا لا أن يقبضوا. وحين فتن واحد من المنتفعين بالنجومية التليفزيونية المفتعلة وألقى كلمة فى احتفال للقوات اللبنانية فى بيروت وصف فيها زعيم تلك الفرقة بأنه رجل ملهم وأنه رمز للثورة والصمود. (رغم أن للرجل سجله الأسود فى الذاكرة الوطنية اللبنانية) ــ هذه السقطة لم تمر. إذ لم تمض دقائق حتى كانت أخبار الفضيحة حاضرة على الإنترنت ومثار استهجان البعض وسخرية وتندر البعض الآخر.

كثيرون لم ينتبهوا إلى ذلك المتغير المهم فى أجواء ما بعد 25 يناير، خصوصا أولئك الذين ما برحوا ينعون إلينا الثورة ويقولون إنها إما خطفت وسرقت أو أنها لم تقع أصلا. وكنت أعتقد أن السيد عمر سليمان نائب الرئيس السابق حين أعلن عن عدم اعتزامه ترشيح نفسه للرئاسة. كان يعى أن مصر تغيرت وانتقلت إلى عصر الملفات المفتوحة، ومن ثم أدرك أنه لو تقدم للترشيح لا نفتح ملفه خلال السنوات العشرين الأخيرة من حكم مبارك، ولما خرج من التجربة سالما. ومن ثم آثر الكمون وفضل أن يظل واقفا على البر، ولكن أما وقد خيَّب الرجل هذا الظن فليسمح لنا بأن نفتح الملف ونستدعى بعض عناوينه، حتى يتذكر من نسى ويفيق من غَفَل أو استعبط.

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...